سورة النحل - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


الأنعام: يطلق على الجمع ويذكر ولذلك قال هنا مما في بطونه وفي سورة المؤمنين ونسقيكم مما في بطونها بالتأنيث (الآية 21) من بين فرث ودم، الفرث: ما يبقى في كرش الحيوان من بقايا الاكل. سائغا: سهل المرور في الحلق تتخذون منه سكرا: خمرا. ورزقا حسنا: كل ما يستخلص من الثمرات من انواع المربى وغيره. يعرشون: بضم الراء وكسرها. يرفعون العرائش من الكرم وغيرها. ذللا: مفردها ذلول: الطائع المنقاد.
{والله أَنْزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَأَحْيَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنَّ فِي ذلك لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}.
هذه الآية من الحجج الدالّةِ على توحيد الله، وقد ذُكرت في سورة البقرة 22 و164 والانعام 99 وسورة الرعد 19، وسورة ابراهيم 32 وفي سورة النحل هذه 10.
{وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأنعام لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ}.
ان لكم أيها الناسُ في الأنعام من الإبلِ والبقر والغنَم لموعظة دالّة على قدرة الخالق، إذ يُخرج اللبنَ السائغ اللذيذ الطعم من بين الفرْث والدم، فالعشبُ الذي يأكله الحيوان يتولَّد من الماء والتراب، فهذا الطينُ يصير نباتاص وعشباً، ثم يأكله الحيوانُ فيتحول إلى لبنٍ سائغ للشاربين... وفي هذا كلِّه أكبرُ وأعظمُ دليل على قدرة الخالق سبحانه.
قراءات:
قرأ نافع وابن عامر وأبو بكر ويعقوب: {نسقيكم} بفتح النون والباقون: {نسقيكم} بضمها والمعنى واحد، سقاهُ وأسقاه.
{وَمِن ثَمَرَاتِ النخيل والأعناب تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلك لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.
ومن هذه النِعم التي أنعم اللهُ بها عليكم ما تتخذون من العنب والتمر، فتصنعون منه خَمْرا، (وكان هذا في مكةَ وقبل تحريم الخمر)، ورزقاً حسنَاً من الثمار وما تعلمون منه من شراب ومربَّى وغير ذلك. وفي هذه آية دالة على قدْرة الله ورحمته لكم لعلّكم تسمعون فتعقلون.
{وأوحى رَبُّكَ إلى النحل أَنِ اتخذي مِنَ الجبال بُيُوتاً وَمِنَ الشجر وَمِمَّا يَعْرِشُونَ}.
وألهَمَ اللهُ النحل أسبابَ حياتها، ووسائلَ معيشتها، فهي تتَّخِذ بيوتاً في كهوف الجبال، وفي الشجر، وفي عرائشِ الكرم وغيرها.
ومن يرى خليَّةَ النحل وما فيها من نظامٍ وتدبير وهندسة بيوتٍ يجد العَجَبَ في هذه القدرةِ الفائقة والترتيب العجيب. وقد كُتب في ذلك مؤلفاتٌ عديدة، فالخليّة مملكة قائمةٌ بذاتها، لها ملكة واحدة، وعددٌ كبير من الشغّالين منهم من يطعم الملكة التي تبيض لهم، ومنهم من يخدم الصغار ويربيهم، ومنهم من يحرس الخلية، ومنهم من يصنع العسلَ والشمع الذي تُبنى منه البيوتُ السداسية الشكل العجيبةُ في الدقة والصنع.
قراءات:
قرأ أبو بكر وابن عامر: {يعرُشون} بضم الراء.
و الباقون: {يعرِشون} بكسر الراء.
{ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثمرات فاسلكي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلك لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
ثم هداها الله للأكل من جميع أنواع الثمرات والنبات، وأن تسلكَ الطرق التي هيأها لها الله. وبعد أن تتغذى من شتّى أنواع الثمار تهضم ذلك كلَّه ثم يخرج من بطونها شارب مختلف الالوان، جعل الله فيه شفاءً عظيما للناس، وغذاءً لا مثيل له. ومنيرة العسل انه يُستعمل غذاء ودواء. وقد أُلفت فيه مؤلفاتٌ عديدة، وكان العسل هو الوسيلةَ للتحلية من أقدم العصور إلى ان صار السكّر سلعةً تجارية هامة. وكما قتلُ: إن عسل النحل مغذّ ويمتصه الجسم بسهولة، وينتفع به، ويحتوي على 70- 80% سكراً، والبقية ماء، واملاح معدنية، وآثار من البروتين والأحماض ومواد أخرى.


ارذل العمر: أخسه وهو الهرم مع فقدان الذاكرة، لان كثيرا من المعمرين يبلغون مرحلة كبيرة في السن ويبقون بصحة وذاكرة جيدة. ما ملكت ايمانكم: العبيد. حفدة: جمع حفيد، ان الابن وابن البنت. فلا تضربوا لله الامثال: لا تجعلوا له أشباها ونظائر.
بعد أن ذكر الله عجائب أحوال ما ذكر من النبات والماء والأنعام والنحل- أشار هنا إلى بعض عجائب أحوال البشَر من أول عُمر الإنسان إلى آخره وتطوراته فيما بين ذلك.
{والله خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العمر لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ الله عَلِيمٌ قَدِيرٌ}.
ان الله خلقكم أيها لناس ولم يتكونوا شيئا، ثم قدّر آجالاً مخلتفة، منكم من يتوفّاه مبكِّرا ومنك من يهرَم ويصير إلى أرذل العمر فتنقص قواه، ويكون في عقله وقوّتِه كالطِفل، فتكون عاقبته أن يفقدّ ذاكرته ولا يعود يعلم شيئا، حتى انه لا يستطيع التمييز بين أهله وأولاده وأقربائه، (وقد رأينا أناساً بهذه الحالة) ان الله عليم بأسرار خلقه، قادر على كل شيء.
ثم بعد أن ذكَر اللهُ تفاوتَ الناس في الأعمال ذكر تفاوتَهم في الأرزاق فقال: {والله فَضَّلَ بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ فِي الرزق فَمَا الذين فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ على مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ أَفَبِنِعْمَةِ الله يَجْحَدُونَ}.
والله جعلكم متفاوتين في أرزاقكم، فمنكم الغنيُّ ومنكم الفقير، فما لاذين فُضِّلوا بالرزق وأعطاهم الله المالَ الكثير بمعطين قِسماً من أموالهم لعبيدهم المملوكين لهم حتى يصيروا مشاركين لهم في الرزق ومساوين لهم، مع أنهم إخوانُهم وبشرٌ مثلهم وهم اعوانهم. فما بالكم ايها المشركون بالله، وهو الذي خَلَقَكم ورزقكم وأنعم عليكم! كيف تجحدون بنعمة الله وتشركون به غيره.
قراءات:
قرأ أبو بكر: {تجحدون} بالتاء والباقون بالياء.
ثم ذكر ضرباً آخر من ضروب نِعمه على بعاده تنبيهاً إلى جليل إنعامه بها إذ هي زينةُ الحياة فقال: {والله جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطيبات}.
واللهُ أنعمَ عليكم نِعماً لا تحصى، منها ان خلَق لكم أزواجاً لتسكُنوا الهيا، وأكبر نعمةٍ على الإنسان هي الزوجةُ الصالحة، فهي جنّةُ البيت. وجعل لكم من أزواجكم بنينَ وأبناءَ البنين والبنات، كما رزقكم من الأرزاق الطيبة التي تنعَمون بها، وهذه من زينة الحياة الدنيا.
{أفبالباطل يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ الله هُمْ يَكْفُرُونَ؟}.
ابعدَ كل هذه النِعم، وكل هذه الدلائل البينة يُشركون بالله، ويكفرون بهذه النعم!!
{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ السماوات والأرض شَيْئاً وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ}.
ومع كل هذِه النعم التي أنعم الله بها عليهم فإنهم يعبدون الأصنامَ التي لا تملِك شيئا، ولا تستطيع أن ترزقَهم أيَّ رزقٍ، سواء كان كان هذا الرزقُ آتياً من السماء كالماء أم من الأرض كالنبات والشجر.
{فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأمثال إِنَّ الله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}.
لا تجعلوا لله مَثَلاً ولا تشبّهوه بخلْقِه، ولا تبعدوا غيره، فانه لا شبيه له ولا مثيل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السميع البصير} [الشورى: 10].


ألكم: اخرس. كَلٌّ: عاجز، كأنه حمل ثقي على غيره فهو لا يستطيع ان يعمل شيئا. الساعة: القيامة.
بعد أن بين الله دلائل التوحيد البيانَ الشافي، وبيّن بعض نِعمه على عباده، ضرب هنا مثَلين يؤكد بهما إبطالَ عبادة الأصنام والشرك.
المثل الاول: عبد مملوك لا يقدِر على شيء ورجل حر كريم غنيٌّ كثير الإنفاق سِراً وجهرا، {هَلْ يَسْتَوُونَ} هل يجوز ان يكونا سواءً في الكفاية والمقدرة!! وعلى هذا فكيف يجوز ان يُسوَّى بين الله القادر الرازق، وبين الأصنام التي لا تملك شيئاً ولا تقدر على النفع والضرر!! {الحمد لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} إن الثناء كلَّه والحمد لله، وان أكثر هؤلاء لا يعملون فيضيفون نعمه إلى غيره، ويعبدون من دونه. والتعبير بقوله: {هل يستوون} بالجمع، ولم يقل: هل يستويان، لانه اراد النوع يعني هل يستوي العبيد والاحرار؟
والمثل الثاني: مثل رجلّين احدُهما أبكم عاجزٌ لا يقدِر على عمل شيء، واينما توجَّه لا يأتي بخير، والثاني فصيحٌ قوي السمع، يأمر بالحق والعدل، وهو مستقيم ؤمن مخلص، هل يستويان؟ ولذلك لا يجوز مساواة الجماد برب العباد.
{وَلِلَّهِ غَيْبُ السماوات والأرض وَمَآ أَمْرُ الساعة إِلاَّ كَلَمْحِ البصر أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
ولله عِلم ما غاب عن أبصاركم في هذا الكون، وما أمرُ مجيء يوم القيامة وبعث الناس عند الله الا كردّ الطرف، بل أسرعُ من ذلك، ان الله قادر على كل شيء، ولا أحدَ يملك معه شيئا.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8